أضواء من قلب الحرب على عزة غزة تلملم جراحها

أضواء من قلب الحرب على عزة
غزة تلملم جراحها , وتوارى شهدائها الثرى, وتداوى جرحاها
بقلم: د.كامل خالد الشامي


بعد توقف القصف الحاقد الذي استمر طيلة 22 يوما, والذي طال سكان غزة, ومدنهم وقراهم,واقتصادهم, على مرئي ومسمع من العالم المتحضر, وتعتبر إسرائيل أن سلوكها يتطابق مع قيم هذا "العالم المتحضر". في هذه الأيام يعيش سكان قطاع غزة لحظات مؤلمة, وصعبة, وحزينة, يلملمون فيها جراحهم, يدفنون شهدائهم,ويداوون جرحاهم, وينتشلون من تحت أنقاض منازلهم جثث أحباء لهم طالتهم يد الآلة العسكرية
دون هوادة, كما ينشغلون بالبحث عن ناجين.
وعندما عاد البعض منهم إلى عائلته التي كانت تعيش في حي الزيتون,في الطرف الشرقي لمدينة غزة, وجدها قد أعدمت بالكامل, لا لشيء سوى أن أفرادها فلسطينيون,وهناك من يبحث بين الركام عن منزل كان هنا قبل الغزو, تركة قسرا تحت وطأة نيران شديدة, منزل تم تجريفه وقصفة, فاختفت معالمه, كما اختفت معالم شوارع بأكملها على أطراف جباليا,وبيت حانون, وخزاعة.

لحظات يصعب وصفها بعد هول الكارثة,أناس يمشون في الشوارع صامتين متوجسين,والبعض منهم يجلس في الطرقات لا لشيء , وإنما لعدم العمل, المحال وأغلب المرافق التي نجت من القصف ما زالت مغلقة,والأسواق شبة خالية من البضائع, وقليل من السيارات والشاحنات تجوب الطرقات.

خلف القصف الاسرائيلى الشديد في قطاع غزة على السكان المدنيين, أكثر من ألف وثلاثماية وخمسون شهيد, وجرح أكثر من خمسة آلاف وخمسماية شخص آخر حتى هذه اللحظة, غالبيتهم من الأطفال,والنساء,وكبار السن, وقد أظهرت بعض صور جثامين الأطفال التي شوهدت على الفضائيات, أنهم أعدموا مباشرة برصاص أطلق على منطقة القلب.

وقضى المئات من الشهداء تحت أنقاض المنازل التي هدمت عليهم وهم أحياء,وفى أثناء الاجتياح البرى, شرد سكان أكثر أربعه آلاف منزل تم تدميرها تدميرا كاملا,حيث تحولت إلى ركام لا يمكن الاستفادة منها بأي شكل من الأشكال , ويعانى سكان أكثر من سبعه عشر ألف منزل وشقة سكنية من أضرار فادحة ألحقت بها, تركز القصف فيها على النوافذ والشرفات,مما أدى إلى اشتعال الحرائق بداخلها,وجعلها غير صالحة للسكن , لكن غزة رغم المحرقة ما زالت محاصرة, وليس بالإمكان ترميم أو أنشاء أي مبان لغياب مواد البناء فيها.
بالرغم من نداءات الأمم المتحدة بعدم التعرض للمدارس بصفتها مراكز إيواء لأكثر من 100 ألف عائلة شردوا من منازلهم, فقد قصفت منها ستون مدرسة,فمات فيها أكثر من 55 شخصا وجرح العشرات.

لقد أدى قصف الجيش الاسرائيلى للمرافق الخدمية في مدينة غزة بشكل أساسي إلى إيقاع دمار كبير في المباني الوزارية , والمرافق العامة المختلفة مثل الأندية الرياضية,وبعض مرافق الاستجمام , بحيث لم يعد استخدامها مرة أخرى أمرا ممكن, كما اشتعلت النيران في مستشفى القدس,وكان به لحظة قصفة أكثر من خمسماية مريض, وقد فر العديد منهم وزجاجات المحاليل الطبية معلقة على أجسادهم.

أدى قصف المرافق الاقتصادية إلى تدمير أكثر من ألف وخمسماية محل تجارى تستخدم لأغراض متنوعة, كما تم قصف أغلب مصانع الباطون,مصانع صناعة الحجر,والرخام المتركزة في شمال قطاع غزة,وتم تخريب المئات من الدفيئات الزراعية, وتجريف آلاف الدونمات من المناطق الزراعية.

ولم تسلم البنية التحتية في مناطق توغل الدبابات من التخريب, فقد دمرت شبكات المياه وأزيلت الطرق من مواقعها, وقصفت أيضا بعض هوائيات الاتصالات.

من الواضح أن قصف أهداف مختلفة قد ركز على الإنسان وعلى الاقتصاد, بهدف إلحاق الضرر الكبير بالناس, ومرافقهم, وجعل السكان في غزة يعيشون في ظروف صعبة للغاية, بحيث يبقون طوال الوقت في بحث دائم عن حل لمشاكلهم اليومية, وبحيث
تتعطل حياتهم قدر المستطاع

وبعد هذه الحرب المؤلمة ما زالت غزة محاصرة, وما زالت كل الطرق مغلقة,وأخشى أن إغلاق المعابر سوف يقودنا مرة أخرى إلى المربع الأول.


د.كامل خالد الشامي
shamikamil@yahoo.com